لماذا يوجد متديين بلا أخلاق؟

Ex25 أكتوبر 2025

مقدمه

تتناول هذه المقالة ظاهرة وجود أشخاص يظهرون التدين ظاهرياً دون أن تنعكس تعاليم الدين على سلوكهم وأخلاقهم. وتبحث عن الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تؤدي إلى هذا الانفصال بين الممارسات الدينية والسلوك الأخلاقي. خلصت الدراسة إلى أن المشكلة لا تكمن في الدين ذاته، بل في أنماط الفهم والتنشئة الاجتماعية، وضعف الوعي الداخلي بالقيم الدينية الحقيقية.

يُعدّ الدين في جوهره منظومة قيمية تهدف إلى تهذيب النفس الإنسانية وتنظيم علاقتها بالله وبالآخرين. غير أنّ الواقع الاجتماعي المعاصر يكشف عن ظاهرة ملحوظة، وهي وجود بعض الأفراد الذين يُظهرون التديّن في المظهر والعبادة، بينما يفتقدون إلى السلوك الأخلاقي في تعاملاتهم اليومية.

تثير هذه الظاهرة تساؤلات جورية: ما الأسباب التي تجعل التدين لا يقترن بالأخلاق؟ وهل يعود ذلك إلى خلل في الفهم الديني، أم إلى عوامل نفسية واجتماعية أعمق؟

ــــــــــــ

أولًا: التديّن الشكلي كنتاج اجتماعي

تشير الدراسات الاجتماعية إلى أنّ التديّن قد يتحوّل أحياناً إلى سلوك اجتماعي شكلي، يهدف إلى تحقيق القبول والانتماء داخل الجماعة، أكثر من كونه التزامًا روحيًا حقيقيًا.

ففي المجتمعات التي تُقيّم الأفراد بناءً على مظاهر الالتزام الديني، قد يلجأ البعض إلى إظهار التدين كرمز للهوية الاجتماعية دون التزام حقيقي بجوهر القيم التي يمثلها.

ويؤدي العبادات والطقوس دون أن تؤثر في بناء الضمير الأخلاقي.

ـــــــــــــ

ثانياً: الخلل في الفهم الديني

من منظور ديني ونفسي يُعدّ الفهم السطحي للنصوص والمفاهيم الشرعية من الأسباب الرئيسة لظهور المتدين غير الأخلاقي.

فبعض الأفراد يركّزون على أداء العبادات الشكلية (كالصلاة أو الصيام) باعتبارها الهدف النهائي، بينما يغفلون أن الغاية من تلك العبادات عي تزكية النفس وإصلاح السلوك.

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الترابط حين قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه مالك).

إنّ الفصل بين العبادة والسلوك الأخلاقي يؤدي إلى ما يمكن تسميته بـ “التدين الميكانيكي”، أي ممارسة الطقوس دون وعي أو أثر روحي.

ـــــــــــــ

ثالثاً: العوامل النفسية – التدين كآلية دفاعية

من منظور علم النفس الاجتماعي، قد يستخدم بعض الأفراد التدين كـ آلية لتعويض النقص أو الذنب.

فيظهر الشخص التديّن المفرط ليغطي صراعاته الداخلية أو ليكسب احترام المجتمع.

ويُعرف هذا في علم النفس بـ “التدين القهري” وهو نمط سلوكي ينشأ عندما يتحول الدين من وسيلة للنمو النفسي إلى وسيلة للهروب من مواجهة الذات.

هذا النمط من التدين لا ينتج عنه أخلاق حقيقية، لأنه يُمارس تحت ضغط نفسي وليس عن قناعة داخلية.

ــــــــــــــــ

رابعاً: أثر التنشئة الاجتماعية

تُعد التنشئة الاجتماعية عاملاً حاسمًا في تشكيل العلاقة بين الدين والأخلاق.

فحين يُربّى الفرد على التلقين والطاعة دون فهم أو نقاش، يصبح الدين بالنسبة له مجموعة من الأوامر الخارجية، لا منظومة قيد داخلية.

كما أنّ بعض البيئات تركّز على المظاهر الدينية في السلوك: التزام أمام الناس، وتجاوزات في الخفاء.

إنّ هذا النوع من التنشئة ينتج ضميرًا هشاً لا يستند إلى قناعة، بل إلى الخوف من الرقابة الاجتماعية.

ـــــــــــــــــــ

خامساً: غياب القدوة والنموذج الأخلاقي

تؤكد الدراسات السلوكية أنّ القدوة العملية من أهم وسائل غرس القيم.

وحين يغيب النموذج الأخلاقي الصادق في البيئة الدينية، يُصاب الأفراد بالحيرة والتناقض، فيفقد الدين تأثيره التربوي.

إنّ وجود شخصيات دينية تتحدث باسم الأخلاق بينما تمارس سلوكيات غير أخلاقية يولّد ما يُعرف بـ “الأثر العكسي للتديّن”، حيث يفقد الناس الثقة في القيم التي تُطرح باسم الدين.

ـــــــــــــــ

الخاتمة

تُظهر الدراسة أنّ وجود متدين بلا أخلاق لا يعني فشل الدين، بل فشل الإنسان في فهمه وتمثّله.

فالتدين الحقيقي ليس مظهرًا اجتماعيًا ولا ممارسة طقسية فحسب، بل هو نظام قيمي شامل يهدف إلى إصلاح النفس والمجتمع.

ولمعالجة هذه الظاهرة، ينبغي إعادة التركيز على التربية الأخلاقية في التعليم والخطاب الديني، وتعزيز مفهوم الضمير الديني الذاتي القائم على الوعي، لا الخوف أو المجاملة الاجتماعية.

فلا معنى لتدين لا ينتج سلوكًا راقيًا، لأنّ الدين في جوهره أخلاق، كما قال الإمام الغزالي: “غاية الدين تهذيب النفس وإصلاح القلب”

بقلم د.يوسف الاتليسي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

أخبار المدونة